معلومات مفصلة

دليل السوري :: معلومات مفصلة

المثقف السوري والقطيعة الثقافية

الأربعاء, 15 تموز/يوليو 2015 15:59
(0 أصوات)
تاريخ الفعالية: 
الأربعاء, تموز / يوليو 15, 2015 - 15:45

لو سأل سائل: هل هناك ثقافات أخرى غير الثقافة العربية في سوريا؟ سيكون الجواب بكل تأكيد إثبات وجود عدة ثقافات تكاد تكون مستقلةً ومنفصلةً عن بعضها بعضاً، ولها كينونتها وبنيتها وتاريخها،

بل سيكون هناك توضيحٌ أشمل بأنّ الشعب السوري يتكون من عرقيات وقوميات وطوائف مختلفة. 
لكن الأسئلة الأهم التي يجب أن نطرحها بلا تردد هي: 
-    هل المثقف العربي مطّلع على الثقافات المتنوعة التي يتعايش معها في مجتمعه؟
-     ما مقدار اطلاعه على الثقافة الكردية أو التركمانية أو السريانية أو غيرها؟
-     ما مقدار اطلاع المثقف غير العربي على ثقافات غيره؟
-    إذا كانت هناك قطيعة ثقافية فما هي أسبابها؟
ولا يغيب عنّا أن كلمة ثقافة تشمل العادات والمعارف والفنون والأخلاق وطريقة العيش والفنون والآداب والأديان والطقوس، أي أنها كلمة ذات معنى واسع تشمل كل المعلومات والمهارات التي يملكها مجتمع ما. وحتى ضمن المجتمع الواحد هناك مجتمعات فرعية لها ثقافتها المنحدرة من الأصل، ويمكن أن تنقسم هذه الثقافة الفرعية بدورها إلى ثقافات أصغر حتى نصل إلى ثقافة الفرد. 
كما أن الثقافة هي الموروث الاجتماعي والحضاري الزاخر بمنعطفات تاريخية وآلام وأيضاً أحلام ورؤى وتطلعات. وهي التي تحافظ على الهوية الوطنية وتساعد في التماسك الاجتماعي، فهل هناك تبادل معرفي بين ثقافات مجتمعنا السوري؟ 
ملامح الثقافة السورية
رغم التعايش اليومي فيما بين الثقافات السورية المتنوعة تشير ملامح الفترة الماضية إلى حالة أشبه بالقطيعة. ولو كان هناك تقاطعات وتداخلات نمطية ويومية لكن على مستوى العمق الإدراكي والبحث والدراسة حقاً هنالك قطيعة.
 وساهمت جملة من العوامل في ترسيخ هذه القطيعة أهمها:
1-موقف النظام من مسألة الأقليات، ومحاولته الحثيثة بث الشك والريبة تجاه الأقليات كالكرد أو التركمان، وربط الصورة النمطية لهذه الأقليات لدى الذهن الثقافي الجمعي بالخيانة للوطن والارتباط مع عدو خارجي. 
2- تحول حالة الخوف من بحث ودراسة شؤون الأقليات أو الثقافات الأخرى إلى حالة لا مبالاة ليبقى دور المثقف في مجتمعه كالمتفرج الذي لا يعنيه شيء طالما هو بخير.
3-مساعدة التعليم بكل مراحله في تهميش الثقافات الأخرى وإخفائها، حتى إذا ظهرت الأجيال الجديدة بدأت بإنكار كل ما لم تسمع به، وما لم تعرفه.
4-خلو النتاج الفكري السوري من التعرض للثقافات الأخرى إلا ما ندر، وما لم يتعلمه أولادنا في المدارس لم يجدوه على رفوف المكتبات في سوق الكتب.
5-عدم مبادرة المثقفين غير العرب إلى نشر ثقافتهم في الوسط العربي العام واقتصار نتاجهم على حالات ضيقة كأنهم يكتبون لأنفسهم.
وما خلا الصور النمطية التي يعيشها الناس في حياتهم اليومية، ويتعايشون مع جيرانهم من الثقافات الأخرى وتحتفظ بها ذاكرة الناس في مناطق التماس أو مناطق الاختلاط، فإن المعرفة بالثقافات الأخرى تكاد تكون معدومة لدى الفئة المثقفة الغالبة ما دون النخبة المنفتحة بإدراكها المنطقي المتجاوز لحدود الإثنيات. 
    دور النخبة الثقافية
إن الدور الذي لعبته النخبة الثقافية يكاد يكون محدوداً لأسباب عديدة منها:
 1-أن بعض هذه النخب كان جزءاً من الثقافة السلطوية التابعة للنظام الحاكم والتي تعمل لإحقاق إيديولوجيته وبث أفكاره وثوابته التي لا يجوز المساس بها. 
2-التهميش والإقصاء والنفي الثقافي الذي تعرضت له بعض النخب الثقافية التي حاولت أن تلعب دورها المفروض.
3-غياب الجرأة وانعزالية هذه النخب المدركة للحقيقة، الراغبة في الإفصاح عنها.
4- غياب الانصهار الحقيقي للمثقف النخبوي في الواقع اليومي. خاصة مثقفو المهجر.  
وإذا كان حري بالمثقف عربياً أو كردياً أو تركمانياً أو غير ذلك أن يرسم ملامح الحياة الثقافية السورية كما يرسم فنانٌ حديقةً يمزج بين زهورها متضاربة الألوان ليخرج بلوحته بهيةً بتنوعها الزهري، فإننا نجد أن هذا المثقف قد انصرف إلى ما يجنّبه الوقوع في مصيدة المراقب، وكان حذراً من تجاوز الخطوط الحمراء التي أحاطت به من كل جانب، والتزم الطريق الأخضر السالم الذي ينجيه من بطش السلطة، لكنه تهاوى في محكمة الضمير والمنطق الثقافي والواجب الفكري المنوط به.
    معالم قطيعة ثقافية

o    إذا كان المثقف العربي يجنّب نفسه سلوك طريق الثقافة السلطوية، وينأى بنفسه عن تصقيل واجهة الهتافات الوطنية، فإنه في الوقت نفسه انكب على تداول المعرفة المبتذلة المتوفرة في سوق الأغذية، لينشر معرفةً ليست من حاجيات الناس الأولى ولا تمس واقعهم المضطرم بأوار الصمت. ليجد الناسُ في منشورات الكتّاب في الكتب والصحف والمجلات وحتى في الإعلام الإلكتروني شيئاً يشبه القطيعة ما بين حالة المجتمع وحالة الكاتب وما ينفثه. غير قلة تجرأت على قول المر فتجرعت الأكثر مرارة.
ولم يمارس الكاتب دوره في نشر المعرفة الضرورية التي هي بمثابة الخبز في مجتمع متنوع الطوائف. ولم يجهد نفسه في اقتحام الأفق الموصد أمامه ليكتشف ما وري عنه، ويصوره وينقله للمجتمع، ولم يتخذ موقفاً حازماً أمام تبدل النظرة الإجمالية للثقافات المتنوعة في سوريا، وتبدل المفاهيم وانحراف القيم. بل رضي بالإبحار مع التيار محاولاً إقناع نفسه أولاً بكثير من المسوغات.
o    المثقف غير العربي ظل متقوقعاً يخشى وقع السوط الذي ذاقه مرة. وظلَّ وهمُ الألم يتعاظم ليمتدَّ أمدُ الفراق بينه وبين الجسارة والإقدام. وانحسرت رقعة انتشار نتاجاته الفكرية على مساحة ضيقة من الوجدان المشابه له لا يتخطاه، وبقي تأثيره حكراً على واقع لم يعد يتأثر. وبدأت شهوته للشهرة في وسطه المحيط تطغى على نشوة الانتصار باختراق المحظور، فظلّ كأنما يكتب لنفسه، ويدور في حلقة مفرغة حيث لا طائل من كل الجهود التي يبذلها، عداك عن النهج العنصري الذي اتبعته ثلةٌ منهم، والتي زادت الهوة عمقاً ما بين الثقافات السورية بتحيزها الأعمى واتباعها نظرية الأنا العظمى التي لا يدانيها أيُّ هو، لتزرع في الوسط المحيط بها (شوفينيتها) وتفردها وعلوّها الموهوم، حتى إنَّ هذا النهج لم يؤذ العلاقة بين ثقافة متّبعه وثقافة الآخرين من مكونات المجتمع السوري فحسب، بل طال الأذى الطائفة الواحدة والجماعة الواحدة، فضمن الثقافة الكردية - لو أخذناها مثالاً - ظهرت العديد من الثقافات الفرعية التي كان أبطالها مثقفون منغلقون على توجهاتهم الحزبية، ساهموا في التشتيت العقلي والفكري والثقافي وحتى الانتمائي، وروّجوا لانتماءات ثانوية وليدة صراعات سياسية على المستوى الإقليمي أو صراعات حزبية على المستوى المحلي الضيق، بل طالت الاتجاه الحزبي الواحد لتنتج انشقاقات داخل صفوف الانتماء الواحد، وتتكرس ظاهرة ثقافية مبنية على نبذ الآخر الذي لا يفكر بنهجي أنا ، ولا يدين بديني أنا، ولا ينتمي لطائفتي أنا. وصوّروا هذه الأنا على أنها المثال الأعلى الذي يجب أن يحتذى به. 
o    كذلك لم يحمل المثقف غير العربي على عاتقه مسؤولية تسويق ثقافته للآخرين، ومد الجسور بين الثقافات السورية المتنوعة، ورسم الحديقة التي تحتضن كل الزهور على اختلاف ألوانها وروائحها، ولجأ الكثير من المثقفين إلى إصدار نتاجهم الفكري بلغتهم الأم حصراً بدافع تطوير اللغة وحمايتها، وهم محقّون من حيث المبدأ، مقصّرون من حيث النتيجة، فلا ضرر في كتابة نتاجهم بلغتهم الأم علاوة على كتابتها باللغة العربية المقروءة لعامة الشعب، ما يسهل التعرف على الثقافات الأخرى الموجودة جنباً إلى جنب مع الثقافة العربية. فكيف يتعرف المثقف العربي على الثقافة الكردية المكتوبة باللغة الكردية؟ أو الثقافة التركمانية المكتوبة باللغة التركية، أو الثقافة السريانية المكتوبة باللغة السريانية؟
آثار القطيعة الثقافية:
مما سبق نستطيع القول: إن حالة من القطيعة ظهرت بين الثقافات السورية ونمت تحت ظل النظام الاستبدادي، وعزز هذه القطيعة انفصال المثقف عن الواقع ولو جزئياً-قطيعة أخرى بين المثقف ومجتمعه-ومحاولته ليّ عنق الواقع لينسجم مع نظرياته، أو الدوران في فلك قضايا بعينها تبلور حقبة أو واقعاً محدداً يجد فيها المثقف براعته وسلامته (السكولستيكية). 
هذه القطيعة تمخضت عن نتائج طفت على السطح منذ بداية الثورة السورية التي انطلقت في مقتبل ربيع 2011 والتي أظهرت بدايتها حالة اندماج مثلى بين مكونات المجتمع السوري وإطلاق شعارات وحدة اليد ووحدة الهدف، لكن الفترة التالية أظهرت هشاشة هذا الاندماج، وسطحية الشعارات، وأظهرت الهوة الثقافية التي ساهمت في اتساع الشرخ وتباعد الرؤى والأهداف، وأظهرت حالات التفرد والأنانية والانكفاء على الذات. كما أظهرت هشاشة الضمير المجتمعي، فلم تشارك كل المحافظات السورية في الثورة في آن معاً، وظلت نسبة كبيرة من المجتمع تقف على الحياد-على أقل تقدير -وتتجاهل الجرائم التي كانت ترتكب بحق إخوتهم في محافظات أخرى. تراكمت هذه المعطيات لدى الضمير الشعبي لتقود إلى حالة أشبه بالعداء والتشفي. محطمة كل التزيينات الهشة التي كانت تكسو الارتكاسات في البنية الاجتماعية.
وعلى مستوى الطوائف والأقليات استفاد النظام الاستبدادي من حالة القطيعة الثقافية ليرسم ملامح النزاع الطائفي، ويوهم الأقليات بضرورة الحفاظ على مصالحها، ويغريها ببعض الصلاحيات. 
ولأن الغالبية العربية غير مطّلعة على ثقافات الأقليات الأخرى، ولا تدرك حجم مطالبها وتطلعاتها، فإن ترويج مطالب خيالية لهذه الأقليات شكّل حالة توتر لدى الغالبية.   
وبسبب عدم الإحاطة بفكر هذه الأقليات ومطالبها وتاريخها وتطلعاتها الحقيقية فمن البديهي أن تكون هناك حالة امتعاض لأدنى مستويات الحقوق، وإنكار لوجود ثقافات أخرى لها دورها في المجتمع السوري واختلافات في الرأي تنذر بالوصول إلى محطات اللا عودة في الحوار.
وحادت الثورة في صب كل مواردها وجهودها في نيل الحرية إلى التركيز على صراعات هامشية هنا وهناك، والوصول إلى وضعٍ متشظٍ ومفكك، وسيطرة ثقافة القوة – سلاحاً أو مالاً – واتجاه الأقليات إلى الاهتمام بشؤونها الخاصة وتشكيل تكتلاتها السياسية والعسكرية، والانعزال عن الحركة الوطنية العامة التي هي في الأصل ليست جسماً واحداً.
وليس عدلاً أن نحمّل المثقف كامل المسؤولية، إذ أن الكثير من العوامل ساهمت في نشوء هذه الحالة التي يرثى لها، ولكن القاعدة الثقافية ما قبل الثورة كانت في الحقيقة هشة. 
المثقف السوري أمام مسؤولياته 
إذا كان المثقف السوري لا يتحمل كامل المسؤولية عن الحالة المرضية التي وقع فيها المجتمع السوري بكل أطيافه، فإنه يجب أن يحدد ملامح الطريق للشفاء والتعافي، ويضع نصب عينيه حرية الرأي والتعبير -أهم ما يثبت وجوده واستقلاليته. وحتى ينجح في ذلك يجب أن يعتبر نفسه أولاً مثقفاً سورياً – لكل المجتمع السوري-يتوجه لكل الطوائف والإثنيات، ويعالج الأمور بمنهج منطقي خالٍ من الميل والتعصب لطرف بعينه.    
فالثقافة بطبيعتها لا تعرف الجمود والهدوء (طالما أن هناك ديناميكية اجتماعية وتدافع حتمي) ، وهي التي تبحث بشكل دائم ومستمر عن الأجوبة والحلول الواقعية لأسئلة المجتمع وما يعانيه من مشكلات . 
وعندما يضع المثقف السوري نفسه في طليعة الثوار الطامحين للحرية، واعتباره الحالة الراهنة همّاً يومياً يعيق التقدم الاجتماعي، ويدرك أن هويته ومنتوجه الثقافي الحر لا يتحققان إلا في ظل مجتمع حر متعدد الطوائف متفاهم ومتناغم ثقافياً، ودون وجود كاتم الصوت السلطوي يتمايز عندها عن المثقف السلطوي والمثقف المخرب المهتم بهواه فقط، ليأخذ دور المثقف العضوي والمثقف المصلح المهتم بقضايا مجتمعه. 
فالمثقف على المحك، والأمل منوطٌ به، والمرحلة تستدعي منه بذل كامل جهوده، وألا يتجرد عمله الثقافي من الرؤية وبث الأفكار، وأن يكون له هدف واضح من أي نتاج فكري. فالتمازج الثقافي في المجتمع يحققه المثقفون بكتاباتهم وممارساتهم وخطابهم الثقافي. وللمثقف دوره في تعزيز روابط الأخوة بين مكونات الشعب مستفيداً من العديد من الوسائل والأدوات التي وضعتها الثورة بين يديه.  
    الأدوات الثقافية 
يمتلك العمل الثقافي التنويري كثيراً من الأدوات التي يستطيع المثقف أن يوظفها في عمله الذي يجب أن يكون أقرب إلى التوجيهي الدعوي، فالمؤسسات الثقافية التي كانت في فترة ما قبل الثورة مصادرةً من قبل النظام الحاكم وكان يستخدمها لترويج فكره الهدام، غدت اليوم تحت تصرف الطبقة المثقفة بعد أن حققت الثورة استقلالية العديد من هذه المؤسسات، وحان الوقت لتوظيفها كوسيلة للنهوض بالوعي الاجتماعي وبناء القاعدة السليمة التي ترتكز إليها طموحات الأمة في الحرية والعدالة الاجتماعية بمفهومها الواسع. ونورد هنا أهم تلك المؤسسات:

    1-المؤسسة الدينية
كانت المؤسسة الدينية (جوامع، مساجد، معاهد، مدارس شرعية، حلقات...) حكراً على طبقة معينة من المشايخ عجزت عن بناء الفكر الديني القويم الذي ينقذ الأمة، وأفرزت تعصباً مذهبياً أو تخلفاً دينياً أو جموداً فكراً. وقصّرت في مهمتها الأساسية المتجلّية في رفع السويّة الدينية السليمة لدى المجتمع وربط مكونات المجتمع بعضها ببعض لتبدو كالبنيان المرصوص. وليس التركيز فقط على إنتاج نخبٍ والإعلاء من شأنها. 
 وتغافلت هذه المؤسسة عن التنوع الإثني السوري واحترزت من المساس به، ولم توجّه الخطاب الديني الذي يحفظ لكل مكونات الأمة حقوقها ومطالبها. في الوقت عينه ازداد النفور من هذه المؤسسة، وظهرت التيارات اليسارية المعادية لها والتي استطاعت أن تقتطع جزءاً لا يستهان به من المجتمع بعد أن قدّمت خطابها البديل. 
وحريٌّ بالمثقف انطلاقاً من مبدأ أن الخطاب الديني ليس حكراً على المشايخ أو ما يسمى اصطلاحاً برجال الدين أن يستغل المؤسسة الدينية اليوم ويوظفها التوظيف الصحيح في توجيه الخطاب الديني إلى الشريحة الواسعة من أبناء الوطن، ويوضح كيفية التعايش السلمي بين الطوائف حسب المفهوم الديني وأهمية التمازج الثقافي الذي يجب أن تلعبه هذه المؤسسة. 
    2-المؤسسة التعليمية
خلت المناهج الدراسية من التنويع الثقافي الذي يزخر به المجتمع السوري، وركّزت على مفهوم التيار الواحد والوطنية المرتبطة بالشخص الواحد، والأهداف الخيالية التي تخدم تمجيد القائد، كما التزمت الكوادر التعليمية بهذه الأطر. ولا تزال المناهج التي تدرّس اليوم في المدارس السورية في المناطق المحررة أو دول الجوار خاليةً من التنوع الثقافي، لا تشير إلى الإثنيات الموجودة وطبائعها وعاداتها وتقاليدها ورؤاها، ولا تقدم للطالب بطريقة أو بأخرى سبل تقبله للآخر المتعايش معه -ربما في مقعده الدراسي-وإنها لفرصة كبيرة أن تستغل الثورة المؤسسة التعليمية في بناء جيل جديد قوامه المحبة، والمعرفة السليمة بالثقافات الأخرى.
    3-المنشورات والمطبوعات
 ظهرت العديد من المجلات والجرائد الثورية التي تطبع وتنشر في الداخل السوري ودول الجوار، وهي منابر حقيقية حرة يستطيع المثقف السوري من خلالها توجيه رأيه الحر ويعبر عن الواقع تعبيراً خالياً من أية ضغوط، وهنا تكمن أهمية ألا تنفرد كل جريدة بثقافة بعينها. وألا تصطبغ بصبغة إثنية وتتجاهل باقي مكونات المجتمع، فبذلك يكون تكريس الحالة النمطية للثقافة المعهودة في سوريا ما قبل الثورة، وبذلك تنعدم الاستفادة من هذه المنابر الحرة في خلق التواصل والتمازج الثقافي بين أطياف الشعب السوري. 
كذلك تفتح العديد من الصحف العربية والإقليمية أبوابها أمام رأي المثقف السوري الحر. 
وهي فرصة كبيرة لتوجيه الخطاب التنويري والعزوف عن التعصب للتيارات الإيديولوجية الضيقة، والمساهمة في بناء الجسور الثقافية المتينة. 
    4-الإعلام المرئي والمسموع
وهو من أخطر الوسائل المؤثرة في الرأي العام وبنائه، وقد تعددت المنابر الحرة الثورية سواء كانت مرئية أو مسموعة، ويميل الناس لمتابعتها كونها على صلة بواقعهم وتلقي الضوء على المعاناة اليومية لهم. ويجب استغلال هذه المحطات أبلغ استغلال في بناء الوعي الاجتماعي وتنويع البرامج الثقافية التي تعرف الناس بنماذج الثقافات المتنوعة والمتعايشة عبر قرون على أرض سوريا، وتلقي الضوء على الحالات النمطية المجتمعية وواقع الحال في شتى مناطق الوطن وتقلص من حجم الهوة الثقافية وتكون منفذاً إدراكياً مفيداً. كما يستطيع المثقف استغلال المواقع الإلكترونية الثقافية ومواقع التواصل الاجتماعي خير استغلال لتوجيه رسالته.
5-المهرجانات الثقافية
لا يختلف اثنان على أن المهرجانات الثقافية في فترة ما قبل الثورة قد أفرغت من مضمونها وعريت من غاياتها وألبست حلّة الفن المبتذل، وسلطت الضوء على زاويةٍ ضيقة بعيدة كل البعد عن هموم المجتمع ونبضه لتبرز الطرب والغناء والتمثيل، وتتحول إلى مهرجانات دعائية وإعلامية لنجوم التلفاز، كأنها الثقافة الوحيدة للمجتمع السوري. بينما تتميز المهرجانات الثقافية بقدرتها على التأثير المباشر في المجتمع، وقدرتها على إثارة التفاعل الإيجابي ونقل الصور الثقافية البناءة، والتعبير عن ثقافات الإثنيات الأخرى بشكل حي ومباشر (مهرجانات الشعر والقصة والمسرح والفلوكلور والغناء وحتى المنتوجات الزراعية).
والفن بكل أشكاله تعبيرٌ عن ثقافة المجتمع، ومنفذٌ للاطلاع على الثقافات المتنوعة، وركيزةٌ أساسية يلتقي عندها الوجدان الحي لمثقفي الوطن على اختلاف انتماءاتهم. 
من الضروري الالتفات إلى أهمية هذه المهرجانات مضافاً إليها عقد ندوات ومؤتمرات ولقاءات جماهيرية ومناظرات تسهم في تطوير الوعي الثقافي وتوسع من أفق التمازج والتواصل الثقافي وتعزز الروابط المشتركة وتقبل الآخر.  
ومضات في الخاتمة: 

• إن جوهر المعركة اليوم هو الصراع ما بين القوى الاستبدادية وقوى المجتمع الساعية لتفكيك أدوات الاستبداد ونيل حريتها، والتي هي بالضرورة معركة الفئات الاجتماعية كافة، ومعركة الإثنيات كافة. وترسيخُ التمازج الثقافي وتعزيزُ روابط الأخوة المجتمعية هي من أسباب النصر في هذه المعركة.
 • إنّ عمل المثقفين لتحقيق التمازج الثقافي وتوسيع هامش الحريات، هو في الوقت نفسه عملٌ في سبيل وجودهم واستقلالهم الثقافي  (حرية الرأي والتعبير).  
• إنّ المثقف السوري يجب أن يتصدى لإثارة الغرائز الأيديولوجية بين التيارات الفكرية (سياسية أو دينية أو طائفية) التي لا تخدم سوى النظام الاستبدادي.
• إنّ المطلوب من المثقف أن يتبع المنهج العلمي في مواجهة التحديات التي تواجه المجتمع وأن يُكسب ثروته المعرفية بُعد الأثر ويحولها إلى مشروع وطني جمعوي، ويوظف الأسلوب الدعوي في نشر هذه المعرفة.
• إنّ من الضرورة الملحّة سيطرة المثقف السوري المتأطر بإطار حزبي أو سياسي معين على غريزته الحزبية الداخلية (ليس بالضرورة التجرد من الانتساب السياسي). لكي لا يكون طرفاً في التشتت الفكري والانتمائي. 
• إنّ الحالة الراهنة بأمس الحاجة إلى المثقف الاجتماعي، المرتفع بالممارسة إلى مستوى الحاجات التاريخية الكبرى، المتصدي للديماغوجية، والمنتصر للحرية .
• إنّ من الضرورة اقتران الثقافة بالممارسة، وعدم الاكتفاء بالتنظير الفكري .
• على المثقف أخيراً أن يمارس دوره في كسر القطيعة الثقافية بكل أشكالها، ورفض الواقع المزري الذي وصل إليه، والسيطرة عليه مستخدماً الأدوات الفعالة –المؤسسات الثقافية بأنواعها- لتحقيق التغيير المطلوب .فسوريا المستقبل يجب ألا تكون رهينة السياسة الصرفة التي تخضع لحسابات لا تشجع على تشريع التنوع القومي والثقافي بقدر ما تخدم المفهوم المصلحي الضيق. سوريا المستقبل يجب أن تكون وطناً للجميع.

المثقف السوري والقطيعو

1846 آخر تعديل على الأربعاء, 18 أيار 2016 11:53

تقويم الفعاليات

« آذار 2024 »
اثنين ثلاثاء الأربعاء خميس جمعة سبت الأحد
        1 2 3
4 5 6 7 8 9 10
11 12 13 14 15 16 17
18 19 20 21 22 23 24
25 26 27 28 29 30 31